عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" الإيمان بضع وستون شُعبة والحياء شُعبة من الإيمان "
المعنى العام
الإيمان كشجرة، تطلق الجذر والساق، كما تطلق عليهما مع الأغصان والأوراق والأزهار والثمار، كذلك يطلق الإيمان على التصديق بالقلب، وعليه من الأعمــال الصالحة، وإذا كانت الشجـرة لا تؤتــي أكلها ولا يكمل نفــعها إلا بما حـمل جذرها وساقها، فإن الإيمان كذلك لا يكون منجيا من الــنار إلا بما استلزمته من صالح الأعمال.
وإذا كانت الشجرة تتشعب شعبا مختلفة، بعضها أغلظ من بعض وبعضها أساس لغيره، فإن الإيمان كذلك يعتمد على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم تتدرج أوامره ومطالبة من الأهم إلى المهم ومن المهم إلى ما هو دونه، حتى ينتهي بإزاحة الشوكة من طريق المسلمين.
والحياء شعبة من شعب الإيمان البالغة بضع و ستين، أو بعض و سبعين، بل هو أهم خصال الإيمان، لأنه انقباض النفس عن إتيان الفعل القبيح، فهو الباحث والداعي لكثير من صفات الخير، وهو المانع والحاجز عن كثير من مزالق الشر و الفساد.
معاني المفردات
( الإيمان ) يعني الإيمان الكامل المنجي من النار
( بضع وستون ) البضع من العدد ما بين الاثنين والعـشرة على الصحيح .
( شعبة ) بضم الشين، أي خصلة، والشعبة في الأصل الطائفة من الشئ ومنه شعب القبائل.
( والحياء ) وهو الاستحياء، واشتقاقه من الحياة،
وهو في الأصل تغير و انكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به أو يذم عليه،
وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
فقه الحديث
تكلف جماعة من العلماء حصر شعب الإيمان بطريق الاجتهاد، ولم يتفقوا على نمط واحد، فبعضهم قسمها إلى أعمال القلب معتقدات ونيات و إلى أعمال اللسان وإلى أعمال البدن
وبعضهم أخذ يعدها سرداً دون تقسيم،
وبعضهم ذهب إلى أن العدد أريد به التكثير دون التحديد من قبيل قوله تعالى } إن تستغفر لهم سبعين ألف مرة فلن يغفر الله لهم { وقال هؤلاء: إن ذكر البعض للترقي فيكون المعنى أن شعب الإيمان أعداد مبهمة وكثيرة، بل أكثر من كثيرة.
و الحق أن محاولة حصر شعب الإيمان محاولة غير سليمة من النقد فالبعض يمكن إدخاله في البعض كما يمكن عده مستقلا وكل ما تكلـف حصر الشعب لم يخل من الاعتراض ولا يقدح عدم معرفة حصر الشعب على التفصيل في الإيمان، إذ أمرها يحتاج إلى توقيف، وكل ما بينـه رسول الله r أعـلى هـذه الشـعب وأدنـاها كـما ثـبت في الصحيح " أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة أذي الطريق والحياء من الإيمان “.
وفي بعض روايات الصحيح " الإيمان بضع وسبعون شعبة " وبعضهم رجح عليها رواية " بضع وستون شعبة " لأنه العدد المتيقن في الروايتين، وهذا كله مبني على أن العدد مقصود محدد أما من يرى أن العدد هنا للتكثير غير مراد تحديده فلا إشكال في اختلاف الروايات.
فإن قيل: رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير كأن يحجم صاحبه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكيف يكون هذا مثل شعبة من الإيمان؟ قلنا: إن مثل هذا ليس بحياء شرعي بل عجز ومهانة وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف من حيث أنه انقباض من خوف أن يذم، فهو يشبه الحياء وليس بحياء شرعي فالحياء الشرعي خير لكله والحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير فالتغير والانكسار الذي يعتري الإنسان من خوف ما يعاب عليه منه الشرعي الممدوح الموصوف بالسكينة والوقار ومنه المذموم غير الشرعي.
فإن كان الانقباض عن محرم فهو واجب وان كان عن مكروه فهو مندوب أما الانقباض عن واجب أو مندوب فليس حياءً شرعياً ومنه انكسار النفس وانقباضها عن السؤال في العلم مع الحاجة إلى السؤال.
والحياء الشرعي درجات.
أعلاها أن يستحي المتلقب في نعم الله أن يستعين بها على معصيته وفيه يقول r لأصحابه " استحيوا من الله حق الحياء " قالوا: إنا نستحي والحمد لله فقال: ليس ذلك وإنما الاستحياء من الله تعالى حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وماوعى وتذكر الموت والبلى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء "
ويؤخذ من الحديث:
1- تفاوت مراتب الإيمان .
2- أن الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في مسمي الإيمان .
3- الحث على التخلق بالحياء.