أفأنت تكره الناس؟

من أجزل عطايا الله للداعية أن يبعد عنه
الغرور الدينى وأعنى به ذلك الزهو بما اهتدى اليه من طاعة وبما اتاه الله
من علم زهوا يجعله تياها مختالا أو متزمتا غضوبا يضيق بأخطاء الاخرين صدره
ويتعالى على أقدارهم قدره من ثم لانراه كما ينبغى أن يرى متراحب الصدر شفاف
النفس ريان المشاعر موطأ الأكناف

وحين يفقد السكينة تحت وطأة هذا التشامخ يفقده الناس كداعية مهذب وسوى اذ
يفقدون فيه أبهى خصال الداعية وهى أن يكون بالمؤمنين رءوفا رحيما
الا انهما لايستويان مثلا الداعية الذى يتحول المسلم بحنانه الرقراق الى
متهلل شكور والاخر الذى يتحول المسلم بتجهمه وفظاظته الى يئوس كفور أجل
لايستويان مثلا فالأول أخذ حظه الموفور من ميراث النبوة والثانى أحاطت به
خطيئته حين أسلم نفسه للغرور والغلواء

وصدق الله العظيم اذ يقول(أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم) الملك 22
كم تهزنى هذه الاية الكريمة(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99
وكم يشجينى مافيها من حسم وعزم وأسأل نفسى :ترى ماذا فعل الرسول العظيم حتى يتلقى عتاب الله على هذه الصورة؟؟
انه لم يتحرش قط بضمائر الناس ولم يحملهم أبدا على ماليسوا به مؤمنين
بل على العكس كان يبخع نفسه أسفا وحزنا على الذين يمر بهم موكب الهدى والنور ثم يولون عنه معرضين
كان يأسى عليهم فى أسف عميق وفى حنان رطيب حتى ناداه ربه من فوق عرشه
المجيد(فلعلك باخع نفسك على ءاثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)الكهف 6
(ولا تحزن عليهم ولا تكن فى ضيق مما يمكرون)النمل70
(ولو شاء ربك لأمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)يونس99
هكذا أدبه ربه وهكذا أدب أنبياءه ورسله جميعا كلهم كان يقول قائلهم لقومه
الضاغنين (أرءيتم ان كنت على بينة من ربى وءاتانى رحمة من عنده فعميت عليكم
أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) هود28
ياليت كل داع الى الله يستحضر حين يعظ الناس وحين يأمر بمعروف وينهى عن
منكر أقول:ليته انئذ يستحضر هذه الكلمات المضاءة بنور الله سبحانه وتعالى
هذه الكلمات العادلة والبارة أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) هود28
عندئذ سيتطامن غروره وتستكين شدته وحدته ويسعه ماوسع أنبياء الله والمرسلين
واكراه الناس لايتبدى فى صورة واحدة هى استخدام القوة لانجاز هذا الاكراه
بل له صور شتى ومظاهر كثيرة
وبالنسبة للدعاة بالذات حسبه أى الاكراه أن يتمثل فى مشاعر باغضة وكلمات
متجهمة وتوجيهات صارمة وموئسة أين هذا الأسلوب المنفر من صبغة الله الذى
أوصى نبيه داود قائلا (ياداود بشر بى عبادى فانى أحب أن يقولوا:غفور رحيم)
كم من الوعاظ والدعاة من يشد المسلم الظامىء الى الهدى رحاله اليهم حتى اذا سمعهم ورءاهم نكرهم وأوجس منهم خيفة
ذلك أن الواحد منهم يحمل فى داخل نفسه عاصفة مكبوتة تتفلت منها بين الحين والحين شظايا مغيظة وحانقة ولوامة
ولعل مأثمة الاكراه بالنسبة لهذا النوع المتجهم من الدعاة لاتتمثل فى شىء
كما تتمثل فى التشدد الذى لايعرف المشى هونا وفى التنطع الذى قال الرسول عن
ذويه(هلك المتنطعون)

أعرف من هؤلاء نفرا اثمهم أكبر من نفعهم لهم باع عريض ومقدرة هائلة على
تنفير الناس من كل ماهو حق وخير وفاضل تحس وأحدهم يكلمك ويدعوك أنه رجل
شرطة أو وكيل نيابة يتلو عليك قرار اتهام ويعاملك كأنه عليم بذات الصدور
يحدد لك طريقا واحدا هو طريقه ويلزمك رأيا واحدا هو رأيه ويظن بالناس ظن
السوء فيتجاهل دوما فضائلهم ويركز على نقاصهم مشبعا بهذا من حيث يدرى او من
حيث لايدرى احساسه الخادع بالتفوق على عباد الله الذين لايستجيبون لأمره
ولايسبحون بحمده

فليدرك وعاظنا ودعاتنا ان كل تشدد اكراه لأنه نأى بالانسان عن المنهج الذى
جعله الله يسرا لا عسرا وبالتالى فهو تكليف بما لايطاق ودعوة للاسقاط
والاحباط

وليهجر هذا النوع من الدعاة كل تعاظم على الناس وكل ازدراء للخطائين الذين
ينتظرهم الله برحمته وكل تشدد ينهك حاجتهم الى سكينة النفس وطمأنينة الضمير

وليرددوا مع المنكسرين والمتواضعين: سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.

كده خلص الفصل
شكرا ليكم